coffee

coffee

Saturday, October 6, 2012

من مذكرات مقاتل.... اتعب العدو

بماذا يشعر المقاتل و هو ذاهب الى الحرب....؟؟؟
ماذا يدور فى رأسه و هو يعلم انها معركة سوف يلقى فيها حتفه لا محاله...؟؟؟
ما هى مخاوفه و كيف هو قلقه من المستقبل...؟؟
هل من حق القائد ان يقلق و ان يخاف...؟؟؟
كيف له ان  يبث روح الفدائية و ان يطمئن جنوده و هو يعلم انهم ذاهبون الى الموت...؟؟؟
كيف يخرج من رأسه الافكار الانهزامية التى يبثها زملائه فى راسه...؟؟
كيف يكون القائد هو اول من يفتدى كتيبته...؟؟؟

كلها اسئلة قد تكون فى رأس الكثيرين...و سوف احاول اليوم ان انقل لكم من واقع مذاكرات مقاتل عظيم و هو العميد/ محمود عباس رحمه الله قائد الكتيبة 143 صاعقة ابان حرب اكتوبر المجيدة و الذى توفى عام 1984 بعد صراع مع المرض و الذى و بنسبة كبيرة تسبب فيه وقوعه فى الاسر فى ايدى الصهاينة و تعرضه للتعذيب الشديد لمدة شهرين فى اسرائيل
و سوف انقل لكم من خلال ما كتبه مشاعره و مخاوفه و ما كان يدور فى صدره و مقتطفات مما حدث من ارض الواقع...ارض المعركة


 :" الزيارة" 
ركبت عربتى الجيب و توجهت الى منزلى و لا اعرف السبب فى اننى وددت ان ارى زوجتى و ابنتى الوحيدة , ولااعرف لماذا تذكرتهم فجاة و فى قمة الاستعداد لمعركة المصير
 لم يرادونى هذا الشعور طيلة ايام ماضية حتى لم يراودنى الاتصال تليفونيا فالعمل كبير و المسئولية الملقاة على عاتقى ثقيلة و لكن هاهو نداء القلب والعاطفة جعلانى اتوجه الى منزلى لارى زوجتى و ابنتى
كنت اتعجل السائق و هذه الصفة ليست من طبعى و كانت حجتى ان الوقت يجب الا يضيع و انا بعيد عن الكتيبة
و لكن من قلبى لو استطيع ان اطير و اسبح فى الهواء لاصل الى منزلى...نسيت كل شىء و كل شاغلى هو سرعة رؤية زوجتى و ابنتى
لقد كنت متاكدا ان المهمة الملقاة على عاتقى خطيرة و فدائية و كنت مقتنع فى قرارة نفسى اننى لن اعود من هذه الحرب و لكن كل الذى احب ان يكون هو ذكرى بالشجاعة و العمل الطيب
 و فجاة قطع تفكيرى وصول عربتى الى المنزل ,صعدت السلالم قفزا و دخلت من الباب لاجد زوجتى و ابنتى...قبلتهما و جلست معهما و انا اتصنع الهدوء..و لا ابالغ فى السلامات حتى لا تشعر زوجتى بشىء لان كل الذى تعرفه هو ان الجيش فى حالة طوارىء كما سبق ذلك خمس مرات
و جاءت ابنتى و احتضنتنى بقوة لا اعرف لماذا و اذا بالدمع يزرف من عينى مع محاولة ايقافه دون جدوى
و اذ بزوجتى ينتابها الفزع و البكاء لتسالنى ما الخبر مع الحاحها اخبرتها ان الحرب قادمة و قد تكون هذه هى المرة الاخيرة التى سوف تروننى فيها....كنت احدث نفسى
سلمت عليهما و قبلتهما و اوصيت زوجتى على ابنتى و خرجت من الشقة و انا لا اعرف ماذا بى ..ركبت العربة و نظرت الى البلكونة فرايت زوجتى وابنتى يشاورون بيديهم مودعين و قلبى يعتصر و كبدى يتفتت و تماسكت عن البكاء امام السائق 

:"التحرك برا"
وقت مدفع الافطار...انشغل جميع افراد الوحدات المجاورة بالافطار ليكون هناك سرية فى التحرك و لكن ما حدث لن يصدقه عقل...فعند مدفع الافطار بدا تحرك عربات الكتيبة و اذ بجميع افراد الكتائب المجاورة ضباط و صف و جنود تخرج بالهتاف و النشيد و الوداع...انه مشهد مهيب فعلا...جنودى يهتفون و ينشدون : بلادى , بلادى..و جنود الوحدات المجاورة يردون عليهم بنفس النشيد

:" رحلة الموت"
بدات الطائرات فى دوران محركاتها...يوم 6 اكتوبر
كنت بجوار الباب الايسر من الطائرة خلف الطيار الاول مباشرة يفصلنى عنه جدار رقيق من المعدن
بدت مياه خليج السويس زرقاء و شفافة غاية فى الجمال سرعان ما ازدادت زرقة المياه حتى اصبحت تميل الى الاسود و ازدادت الامواج ارتفاعا
احسست فى تلك اللحظة بشىء من الانقباض و سرعان ما انظر الى جنودى داخل الطائرة و اشير اليهم بالنصر ..فيجاوبوننى بنفس الاشارة لكى اخلع هذه الرهبة و لا اترك لنفسى فسيح من الوقت للتفكير
الافكار تتزاحم فى راسى وخاصة كلمات الرائد/.........و هو يقول مرارا اننا سنسقط فى الخليج
و لكن سرعان ما يفيقنى هواء البحر الداخل من باب الطائرة المفتوح لاسترد نفسى و انظر الى جنودى و بدون اى ترتيب اخذت انشد : بلادى ..بلادى ..بلادى..لكى حبى و فؤادى
و اخذ الجنود يرددون هذا النشيد بصوت عالى مما اضطر الطيار لقفل باب الكبينة عليه من شدة صوت الجنود

بدات الطائرة تميل بشدة فجاة جهة اليسار و جهة اليمين و بسرعة ثم تعتدل فى طيرانها و تكررت هذه العملية مرات متواصلة و بدات انظر من باب الطائرة لاعرف ما يدور  فى الخارج و لم اجد شيئا
توقف الجنود عن النشيد...فاشرت اليهم بالاستمرار و استمروا فى الانشاد
و نظرت ثانية من باب الطائرة لاجد طائرة مقاتلة تمر فوقنا من الجنوب الى الشمال
و تواردت الافكار فى رأسى لعلها طائراتنا المقاتلة لحمايتنا 
او لعلها معركة جوية بين طائراتنا و طائرات العدو المقاتلة التى تريد ان تهاجمنا
و تبدد تفكيرى و عرفت الحقيقة عندما رايت احد افراد طاقم الطائرة يخرج من اسفل المقاعد المظلات الخاصة بالطيارين و تاكدت ان هناك شيئا سوف يحدث و اعود الى نفسى لاجد الجنود قد كفوا عن الانشاد واشير اليهم ليعاودوا الانشاد و اعود الى باب الطائرة انظر منه و اذا بالضفة الشرقية لخليح السويس تظهر و لم اتمالك نفسى و صحت فى الجنود : هذه ارضنا يا رجالة
فى تلك اللحظة...توارد الى مخيلتى متى نهبط على الارض و متى ننفذ المهمة..و متى..و متى....؟؟؟؟

لم يتوارد الى مخيلتى اولادى و لا زوجتى و لا اهلى....مشدود الاعصاب كل مااتمناه ان اهبط على الارض بسلام حتى اتابع تنفيذ مهمتى...انا معلق بين السماء والارض لا حول و لاقوة

 : " وقوع البلاء و لا انتظاره"
لقد كنت اتعجل نهايتى لاننى كنت واثقا اننى مستشهد لا محالة
لقد كنا كالعصافير فى الاقفاص..ماذا نفعل و نحن معلقون فى الهواء ؟؟؟
لقد رايت مشاهد لن يمحوها الزمن و ذكريات لن تزيلها الايام
لقد تغير الحال فجاة..و تفرقت الطائرات كل فى اتجاه غير مرسوم و من ضمنها طائرتى..كل طائرة تاخذ طريقا متعرجا يمينا و يسارا بشدة لدرجة اننى اضطررت الى قفل نصف الباب الذى على يسارى حتى لا انزلق خارج الطائرة اثناء مناوراتها الحادة

الطائرة تعلو و تهبط بشدة كانها فى عاصفة.....قلوبنا معلقة فى صدورنا من شدة الهبوط و الصعود والجنود فى هرج ينظرون الى كمن يستنجد بى....ارى فى وجوههم سؤال : ماذا يحدث ؟؟؟......و ماذا نحن فاعلون...؟؟؟
اشير لهم بالاستمرار فى النشيد و ابدا معهم النشيد...الجنود ينشدون بلادى بلادى و الطائرة مستمرة فى مناوراتها الحادة و الجنود ينشدون و يتصادمون مع بعضهم
انظر من النافذة التى على يمينى لا ارى شيئا..و انظر من فتحة الباب  الصغيرة لاجد احدى طائراتى  تسقط مشتعلة بمن فيها ...كتلة من اللهب تهوى دون رحمة

تميل طائرتى بشدة جهة اليسار لارى طائرة اخرى على الارض و هى مشتعلة و كان منظرها عجيبا كانها لعبة من زجاج وداخلها لهب فظيع
طائرتى تميل جهة اليمين...لاسمع طلقات رشاشات من طائرات العدو
و فجاة...اسمع صوت اصطدام طلقات فى ريش مروحه الطائرة الرئيسية....و مالت طائرتى جهة اليسار بشدة لارى طلقات كاشعة لا لون لها تطلق على طائرتى من اعلى الى اسفل و ارى طائرة من طائراتى على الارض و هى سليمة و مرواحها دائرة..و فجاة ينفجر بجانبها خط من رشاشات طائرات العدو
تعود طائرتى المناورة و فجاة اجدها ترتفع بشدة و بسرعة الى اعلى لارى اسفلى مباشرة نخلة اكاد المسها بيدى و كادت الطائرة تصطدم بها فى هذه الحظة التى تمر كشريط سينمائى خيالى تاكدت اننا لسنا اسعد حظا من زملائنا الذين استشهدوا منذ لحظات و سقطت طائراتهم امام عينى منذ لحظات
تاكدت ان الموت ات لا محالة...و ماهى الا لحظات لنلحق بزملائنا الابرار..وتذكرت الله و قرات الشهادتين فى انتظار نصيبنا الذى كتبه الله علينا
و فجاة...وجدت الطائرة فى سبيلها الى الهبوط على الارض و رايت الارض تقترب ...ففتحت الباب و على ارتفاع حوالى ثلاثة امتار..اعطيت اشارتى لجنودى كى يتبعونى لنتخلص من هذا القبر اللعين و هممت بالقفز من الطائرة ..و لكننى احسست بيد تمنعنى من القفز و وجدت مساعد الطيار يمنعنى من النزول ممسكا بى من الخلف و بدات الطائرة فى الارتفاع ثانية

افقت الى نفسى لاجدنى على الارض خارج الطائرة ..لم اشعر كيف خرجت من هذا القبر ومن ساعدنى فى الخروج...هل هم جنودى..؟؟
لا اعرف و لم يكن هناك وقت للتفكير فى هذا
وجدت جنودى حولى فامرتهم بالتحرك لتنفيذ المهمة...فهممت بالمشى ولم اشعر باى تعب اواى الم فى جسدى...فهممت بالمشى ..و بعثت باثنين من جنودى لمساعدة الطيار الذى انحشر و لا يستطيع الخروج من الطائرة
و فجاة ..شعرت بعدم القدرة على الاستمرار فى الوقوف و احسست اننى متعب مرهق لا تستطيع قدماى حملى فنمت على ظهرى و
وامرت جنودى بتعمير القذائف و استكمال المهمة..و سالت هل هناك ضباط....و كان من ضمن الموجودين الملازم/.......ليتمم على الجنود 
هممت بالوقوف مرة اخرى و لكنى شعرت بالم فى رقبتى و ظهرى...و لم استطع الوقوف...ونمت على ظهرى ثانية
و التف الجنود حولى..و تسائلوا ماذا بى فقلت لهم اننى متعب قليلا و سوف اكون احسن حالا بعد 5 دقائق
حاولت النهوض ثانية و لكن دون جدوى...و لم اكن اعلم وقتها اننى اصبت بكسر فى رقبتى

تاكدت اننى لن استطيع مواصلى السير...فاعطيت الملازم/........امر بقيادة الجنود للحاق بباقى الزملاء و تركى فى مكانى
فى هذ اللحظة...شعرت بمدى حب الجنود لقائدهم و مدى اخلاصهم و ان هذا هو حصاد مجهودى فى تدريبهم و حل مشاكلهم و معاملتهم كاخوة صغار بانسانية
رفض الجنود تركى و اصروا فى صياح انهم سيحملوننى معهم..و لكنى اعرف ان مكاننا مجهول و احمالهم كبيرة و ثقيلة و لن يستطيعوا حملى كل هذه المسافة
رايت الاسى ظاهرا فى وجوههم و الحزن فى عيونهم بل و رايت بعض الجنود يبكون و هم يتمتون : هنشيلك يا فندم..مش ممكن نسيبك هنا
ووجدت نفسى فى موقف لا يتطلب العواطف و لابد من حزمه فهدتهم باطلاق النار على كل من سيبقى بجوارى و اننا فدائيون و تلك هى مهمتنا
و امرت الملازم/......بان يقود الجنود للحاق بالكتيبة ولم يبقى الا فرد معى واحد الجندى/........الذى اصر ان يبقى رغم اوامرى المشددة قائلا : اضربنى بالنار يا افندم لكن مش هسيبك

انصرف الجنود و بقى معى الجندى/.......الذى رفع عنى جميع احمالى و امسكنى من تحت ابطى لنقلى بجانب المصابين فى الوقت الذى ماتزال فيه الطائرات تنفجر و تشتعل
 

امرت باسعاف جميع المصابين و عمل الاسعافات الاولية حيث ان هناك الكثير من الاصابات البالغة

مساعد الطيار مصاب ببتر فى ساقه و لم ارى رجلا مثله رحمه الله...كنا اربعة مصابين نصرخ كالاطفال كل فى اصابته عدا هذا الرجل الذى لم يخرج كلمة واحدة تدل على اصابته سوى دعائه لله بالصبر و الايمان
و فى الصباح ابلغنى الملازم/...ان المساعد جسمه بارد و لونه اصفر و انه قد استشهد,,,فامرت بدفنه فواراه التراب بجوارنا تماما

تلك كانت مقتطفات من بعض ما ذكره رحمه الله عن مشاعره و ما حدث فى يوم 6 اكتوبر و مدى الايمان الذى كان يتحلى به الجميع و رجولة الكثيرين و الشجاعة و التفانى بلا حدود
مكث رحمه الله اربعة ايام فى الصحراء مع من تبقى على قيد الحياة الى ان ظهرت ظهر اليوم الرابع عربات العدو و بدات رحلة العذاب فى اسرائيل تحت وطاة الاسرو التعذيب لمدة شهرين  

: وهذا بعض مما كتب فى الصحافة وقتها عن كتيبته 143 صاعقة و عن بطولاتهم

فى يوم 6 اكتوبر...حملنا كتيبة صاعقة فى طائرات الهليكوبتر و اقلعت هذه الطائرات و اتجهت الى المنطفة التى كانت من المفروض ان تمر بها الكتيبة...و قام العدو بالتدخل جوا مع هذه الطائرات و هى فى طريقها و اسقط بعض الطائرات..و تمكنت باقى الطائرات من الوصول للارض لكن للاسف قائد الكتيبة و رئيس عملياته اصيبا فى اول المعركة قبل ان تبدا الكتيبة المعركة
و لكن باقى الكتيبة استمرت و قادها باقى الافراد
و  كان الباقى برتبة نقيب فما دون..و استمروا فى تادية مهامهم و اغلقوا مضيق راس سدر فى وجه العدو الذى حاول بلا جدوى اختراق المضيق بقوات كبيرة من الدبابات و القوات الميكانيكية فارتد شرقا
و فى نفس اليوم طلب الرجال الامداد و ارسلنا لهم الامداد...و كان من عظمة الحاجات التى وصلت لنا بتدل على روح البطولة فعلا
ان الرجال طلبوا و قالوا : احنا مش عاوزين اكل..مش عاوزين شرب..احنا هندبر هذا بانفسنا و لكن ابعتوا ذخيرة لنا لكى نواصل القتال لكى نقتل و ندمر اكبر عدد
هذه الكتيبة ظلت تقاتل 16 يوما من 6 الى 22 اكتوبر و تصد العدو و اصر العدو على ان يعبر و على ان يمر..فكان جزاؤه القتل و التدمير من هذه الكتيبة
و بقيت فى مكانها 16 يوما و امرت بالارتداد و عادت الكتيبة بالجزء الاكبر من قواتها

:يقول المقاتل عادل من كتيبة 143 صاعقة المكلفة باغلاق مضيق راس سدر فى وجه العدو
 قبل الوصول الى منطقة الهبوط بقليل كان العدو قد اكتشف الامر و اعترضتنا 6 طائرات فانتوم و دارت معركة جوية بالصواريخ و الرشاشات سويا
و هنا اشيد بكفاءة طيارينا فقد ظل الطيار مشتبكا مع الفانتوم لمدة 5 دقائق وهذا وقت يعتبر كبيرا فى القتال بين طائرة فانتوم و اخرى هليكوبتر
و اضطر العدو الى تركيز هجومه و كل طائرتين فانتوم على واحدة هليكوبتر
و كانت طائرتان تقصفان فى ان واحد طائرتنا....و بمهارة فائقة تمكن الطيار من تفادى 6 صواريخ و لكن الطائرة تسقط بعد ان اصابها الصاروخان السابع و الثامن

جريدة الاعلام العربى..جزء من مقال تحت عنوان  : وحدة صاعقة توقف تقدم لواء مدرع